ويقول المحامي والمستشار القانوني بندر محمد حسين العمودي، إن عقود الإذعان صيغة من صيغ إبرام العقود تعتمد على استخدام نموذج للعقد يعده أحد طرفي العلاقة التعاقدية بصورة منفردة ويعرضه على الطرف الآخر الذي ليس له إلا الموافقة كما هو أو رفضه دون أن يغيره أو يفاوضه فيه، ومن أمثلة ذلك عقود التمويل والتوظيف، فالجهات التمويلية تقدم عقداً جاهزاً مُصاغاً لصالحها، وكذا الحال عقود التوظيف، وليس للطرف إلا القبول بالعقد كما هو أو رفضه، وجزء كبير من هذه العقود تنطوي على مخاطر كبيرة وشروط تعسفية وعدم توازن وعدم تكافؤ، فنجد كفة الميزان التعاقدية تميل للطرف الذي صاغ العقد، فهي علاقة غير متكافئة بين طرف قوي يفرض شروطه، وآخر ضعيف عليه أن يقبل العقود كما هي دون أن يحق له تغييرها أو التفاوض بشأنها.
أما الأحكام القانونية المترتبة على عقود الإذعان، فيكون للطرف المذعن المتضرر حق المطالبة بتخفيف الشروط المتعسفة. ويضيف المحامي العمودي، أن نظام العمل والعمال السعودي نص في المادة 8، أنه «يبطل كل شرط يخالف أحكام هذا النظام، ويبطل كل إبراء، أو مصالحة عن الحقوق الناشئة للعامل بموجب هذا النظام، أثناء سريان عقد العمل، ما لم يكن أكثر فائدة للعامل»، عليه فللقاضي الحق في تعديل الشروط التعسفية أو إعفاء الطرف المُذعَن من الالتزامات الناتجة عن العقد الذي يحمل طابع التعسف ويلحق خسارة كبيرة بالطرف المُذعَن ويعرضه لإرهاق كبير أثناء تنفيذ العقد. والقاضي له رد الالتزام المرهق إلى القدر المعقول، أو وقف تنفيذ الالتزام بعد التأكد من ثبوت التعسف. وسلطة القاضي هنا ليست مطلقة بل هي مقيدة بمراعاة روح العدالة والإنصاف لرفع الضرر عن المتضرر وعدم الإضرار بالطرف الآخر، وفي المملكة لم تصدر نصوص خاصة تنظم عقد الإذعان، إلا أن قواعد وأحكام الشريعة تتناول العقد وكيفية حماية أطرافه.
طرف قوي وآخر ضعيف
المحامية سمية الهندي، أوضحت أن عقد الإذعان هو أن يكون أحد طرفي العقد أقوى من الآخر، ويقدم له عقداً جاهزاً لا يكون أمام الطرف الآخر إلا قبوله كما هو أو رفضه، ولها أوجه كثيرة في الحياة اليومية كالعقود التأجيرية والتمويلية والسفر وعقود البنوك والبطاقات الائتمانية، والعقود الموحدة في تأجير وبيع العقارات، ووثائق شركات التأمين والاتصالات والمياه وغيرها.
ولفتت إلى أن القضاء يحق له التدخل لبسط سلطته التقديرية في فض أي تشابك في عقود الإذعان طبقاً للقاعدة الشرعية (لا ضرر ولا ضرار). وأوضحت أن من شروط عقود الإذعان أن يكون محل العقد منافع أو سلعاً يكون الناس بحاجة إليها ولا يكون لهم غنى عنها، كالكهرباء، والماء، والهاتف، والغاز. وبينت أن عقد الإذعان غالباً ما يكون مكتوباً بصفة مسبقة، والطرف القوي في عقد الإذعان غالباً ما يكون محتكراً للسلعة أو الخدمة، وإذا تم التوقيع على العقد المذعن من قبل الطرف الثاني المتعاقد - المذعن إليه - فإن ذلك يعتبر رضاء منه بكافة بنود العقد ولا يمكنه التنصل منها، ولكن يكون له حق المطالبة بتخفيف هذه الشروط المتعسفة التي تصب فقط في مصلحة الطرف الأول الأقوى الذاعن.
تخضع للقانون
والمراجعة القضائية
لفت القاضي السابق في المحكمة الجزائية المتخصصة الشيخ الدكتور يوسف غرم الله الغامدي، إلى أن عقود الإذعان أو عقود الانضمام عقود تربط بين أطراف على سلع أو منتجات، وأقرب الأمثلة انطباقاً عليها هي عقود الكهرباء والمياه والاتصالات ونحوها من العقود التي لا يملك فيها أحد الأطراف إلا الإيجاب والقبول، وهذه العقود في القانون السعودي هي عقود معتبرة وتخضع للقواعد القانونية والنصوص النظامية المستمدة من أحكام الشريعة الإسلامية التي تقوم على أسس ثابتة وواضحة وراسخة، منها قوله صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار)، ومنها ما يشترط في العقود من عدم الموانع، ومنها الغبن والجهالة ونحوها، وبذلك فإن عقود الانضمام أو الإذعان هي عقود تقع تحت إشراف الدولة المباشر وذلك لضمان صحتها وخلوها من الضرر والاحتكار الضار والغبن وغير ذلك، كالاستغلال لطالبي المنتج أو الخدمة أو توفيرها بطريقة مخلة أو منعها بطريقة غير نظامية؛ ولذلك فعقود الانضمام أو عقود الإذعان هي عقود صحيحة نظاماً ومحكومة بموجب الأنظمة والقوانين وتقع تحت إشراف الدولة المباشر ولها متعلقات بعموم المواطنين والحاجات العامة والتأثير المباشر الأقصى واستقرارهم؛ ولذلك فإن هذه العقود كسائر العقود تخضع للقانون العام والنظام، وأيضاً عليها مزيد من الرقابة والإشراف والعناية لخصوصيتها وتأثيرها وعمومها وأهمية وصولها للجميع بالطريقة الصحيحة والكيفية العادلة الأمينة، ومثل هذه العقود هي عقود حديثة نشأت مع تطور العصر وتحضر الدول ومدنيتها، وأول ما ظهرت كما قيل في فرنسا، ثم انتشرت وظهرت الحاجة لها، ولا ينبغي الإكثار على عقود الإذعان وتخويف الناس منها وأنها سالبة للحرية أو أنها محرمة شرعاً، بل العكس هي عقود قانونية فيها الإيجاب والقبول ويوجد فيها حرية تعاقدية تناسب خصوصها وعمومها وظروفها.
محكمةتتدخل
في عقد إذعان
رصدت «عكاظ» نموذج تدخل محكمة سعودية لإبطال عقد إذعان بين مستثمر وشركة متخصصة في تأجير المركبات، وقررت المحكمة إبطال شرط غرامة التأخير في العقد استناداً إلى ما قدمه المستثمر أمام المحكمة التجارية في جدة بأن العقد وقع دون أن يتدخل في صياغة بنوده، وهو عقد إذعان حرر من طرف واحد دون إرادة الطرف الآخر، ويحق للقاضي تعديل الشروط التعسفية في العقد مثل شرط غرامة فسخ العقد وقررت المحكمة في معرض حكمها النهائي شطب غرامات تأخير الأقساط وغرامة فسخ العقد واعتبرت الغرامات وقيمة الإصلاحات من أكل المال بالباطل، وألزمت المحكمة المستثمر بسداد مبلغ 55 ألف ريال لشركة التأجير قيمة عقد الإيجار وشطب المبلغ الذي تطالب به شركة التأجير وقدره 100 ألف ريال وبات الحكم قطعياً.
وتلخصت الدعوى في أن شركة متخصصة في تأجير المركبات قررت فسخ عقد مبرم بينها ومستثمر لاستئجار سيارات بمبلغ 160 ألفاً مقسمة إلى دفعات شهرية، ورفضت المحكمة الغرامات التي فرضتها شركة التأجير على المستثمر بسبب فسخ العقد لتأخره عن السداد، وأوضح المستثمر في دعواه أن الشركة فرضت عليه عمولات تأخير لعدم سداد المستحقات رغم سحب عدد من المركبات. وأجابت الشركة في ردها على المحكمة أنها سحبت المركبات استناداً إلى العقد المبرم بينها والمستثمر، إذ يجيز ذلك الاتفاق المبرم بينهما وتستحق الشركة أن يدفع المستثمر غرامة فسخ العقد وفقاً للاتفاق الموقع بينهما، وتمسكت بتنفيذ بنود العقد، ورفض المستثمر الغرامات المفروضة عليه متمسكاً أن العقد وقع دون أن يتدخل في صياغة بنوده وهو عقد إذعان حرر من طرف واحد دون إرادة الطرف الآخر ويحق للقاضي تعديل الشروط التعسفية في العقد مثل شرط غرامة فسخ العقد، وبعد جلسات عدة استمعت فيها المحكمة إلى كافة الأطراف، واطلعت على العقد والمذكرات المتبادلة خلصت إلى أن العقد بين الطرفين عقد إيجار تمويلي، وأن شركة السيارات لا تستحق أي غرامات وردت في نص العقد، وأنها مما أعدته المحكمة من أكل المال بالباطل، وحكمت بإلزام المستثمر بإكمال قيمة الأقساط فقط وعدم استحقاق شركة التأجير ما يزيد على المبلغ المحكوم به في ما يخص العقد بين الطرفين.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة عكاظ ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من عكاظ ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.