كانت نتيجة، إطالة حسم الصراع، بين النظام القائم والمعارضة تهجير ملايين السوريين وتدمير عشرات المدن وإعطاء حلفاء الأسد مهمة مواجهة الثوار، حتى وصل الأمر بعد عشر سنوات من العنف الدموي أن يرتكن نظام الأسد لنجاحه في حربه الضروس مع المعارضة، لدرجة أنه بدأ مرحلة إعادة قبوله في المؤسسات الإقليمية، وكذا من قبل المجتمع الدولي. لكن هذا النظام المستبد لم يصمد في مواجهة المعارضة، عندما اختارت أسلوب المواجهة العنيفة (المسلحة)، المنضبطة والمنظمة. وكان أن انهار نظام الأسد في أحد عشر يوماً لتدخل قوى المعارضة المسلحة دمشق.. ويفر منها الأسد.
ما حدث في سوريا مؤخراً أثبت أنه لا يفل الحديد إلا الحديد.. وأنه لا خيار لأي نظام سياسي ليبقى في السلطة، مهما كانت خلفية وصوله إليها، إلا عن طريق اكتساب شرعية بقائه على أسس قاعدته الشعبية المرتبطة بالإرادة العامة للشعب. كما أن إنجاز المعارضة السورية المسلحة أثبت أن القوة نفسها، مهما بلغ عنفها وجبروتها، إلا أنها لا ترقى لمستوى إرادة الناس الحرة، لتأسيس شرعية أي نظام سياسي.
السلطة هي القيمة السياسية العليا التي تحفّز حركة الصراع عليها، سواء من كان داخلها أو من يتطلع للحصول عليها والبقاء فيها، أو المشاركة فيها. الصراع على السلطة، بطبيعته حركة عنيفة، لكنها ليست بالضرورة دموية. ثم إن الوصول إليها ليس بالضرورة هو الغاية في حد ذاتها، بل البقاء فيها هو التحدي الأكبر لحركة الصراع عليها.
أي نظام سياسي قائم، بغض النظر عن كيفية استحواذه على السلطة، يكون همه الأكبر البقاء فيها وتعزيز قبضته على مقاليدها، في مواجهة أي طامعٍ فيها، سواء بالاستيلاء عليها أو المشاركة فيها. الحفاظ على السلطة هو غاية في حد ذاته، قد يصل إلى أعلى درجات الصراع السياسي في المجتمع، لدرجة إزالة الفواصل بين أمن الدولة وأمن النظام السياسي. محاولات تعزيز البقاء في السلطة، مهما كانت درجة الاستقرار السياسي الظاهر في المجتمع، تُعدّ من أخطر قضايا السياسة لأي نظام سياسي قائم. قديماً قال: لويس الرابع عشر (1638- 1715): أنا الدولة والدولة أنا.
المجتمعات التي لم تستأنس حركة الصراع (العنيف) على السلطة، بتطوير أساليب وآليات أكثر سلمية لإدارة حركة الصراع هذه، تبقي جذوة الصراع مضطرمة تحت الرماد، حتى تحين فرصة التغيير، مواكبةً لحركة التاريخ. سقوط رموز ومؤسسات النظام القائم لا تكتمل بمجرد تفاعل إرهاصات التغيير، مؤذنة بنهاية النظام القائم. قد يحني النظام القائم رأسه قليلاً حتى تمر عاصفة الإطاحة (الأولية) به، ليعاود محاولات استعادة السلطة من جديد. هذا ما تقوم به عادةً عناصر ما يُطلق عليها قوى الثورة المضادة.
كما يمكن استعادة مقاليد السلطة للنظام الذي أسقطته قوى المعارضة، بأن تأتيه النجدة من الخارج. لكن هذا المتغير الخارجي قد يكون من أهم مسبّبات سقوط النظام القائم مهما بلغ استثمار قوى إقليمية ودولية رأت أن من مصلحتها الإبقاء عليه، في وقتٍ من الأوقات. باختصار: مثل هذه الأنظمة الفاسدة اعتمدت، ترسيخ شرعيتها السياسية على متغيرين اثنين لا ثالث لهما. الأول: اعتمادها على عنصر القوة الغاشمة للبقاء. الثاني: استخدام دورها الوظيفي لخدمة مصالح قوى خارجية. كلا المتغيرين لا يسمحان باستمرار أنظمة حكم فاسدة آيلة للسقوط. الاعتماد على هذين المتغيرين لا تنتج حكماً رشيداً، بأي حال من الأحوال، فلا بد إذاً من سقوط مثل هذه الأنظمة، عاجلاً أم آجلاً.
الاقتراب السلمي لتحقيق التغيير نحو نظام سياسي أكثر استقراراً واستدامةً يعكس تطوراً في مستويات التنمية السياسية للمجتمع. التداول السلمي للسلطة، ليس بالضرورة أن يأتي على مظاهر عدم الاستقرار المزمن، لكنه بالقطع يقترب من معايير ومواصفات الحكم الرشيد، التي حفزت اتقاد حركة الصراع العنيف على السلطة، بدايةً.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة عكاظ ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من عكاظ ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.