قليلة جدا الأعمال المسرحية التي يتكامل فيها الإبداع في كل عناصرها من كتابة وتمثيل وإخراج وإضاءة وديكور وغيرها من عناصر الفرجة المسرحية ، ويعرض حاليا علي مسرح الغد مسرحية " جنة هنا " للكاتبة صفاء البيلي والمخرج محمد صابر وهي تشمل عناصر تميز كثيرة .
نبدأ بفكرة العرض للكاتبة صفاء البيلي والتي تعيد بها فتح أكثر من قضية من قضايا المرأة منها الختان والمرأة المعيلة وغياب الأب والأدوار الاجتماعية المرتبطة بالجِندر وثقافة المجتمع الضاغط علي المرأة ، وقد استطاعت الكاتبة أن تقدم لنا حوار يدفعنا لمتابعة المسرحية باهتمام وترقب فالحوار المسرحي ليس شيئًا سهلاً يمكن لأي شخص أن يكتبه، بل هو ملكة يولد الكاتب المسرحي موهوبًا بها، كما أن الشاعر يولد موهوبًا بقول الشعر.
مسرحية جنة هنا
وقد أحسنت الكاتبة في معالجة قضيتها بأكثر من فكرة لتؤكد مقولة الناقد الكبير الدكتور علي الراعي بأن الحدث الجيد هو الذي يثير أعظم قدر من الاهتمام في أكبر قدر من الناس لأكبر فترة ممكنة ، فالكاتبة هنا دفعت مشاهدي العمل المسرحي وأنا واحد منهم للتشويق المستمر لمعرفة كيف ستنتهي احداث المسرحية ، وذلك بالصراع الذي خلقته بين الأم وابنتها وبالهجوم والهجوم المضاد للأم والإبنة ، كما أن هناك صراعا آخرا خارجيا بين البطلتين وبين بعض عادات المجتمع ، كما هناك مستويات متعددة للصراع الداخلي في نفسية كل شخصية .
الفنان أحمد الشريف في مسرحية جنة هنا
صنع المخرج محمد صابر من القصة التي كتبتها صفاء البيلي حياة في قاعة الغد من خلال كل العناصر فصممت له مي زهدي الديكور والملابس المتلائم مع القصة والمعتمد علي التجريد أحيانا والرمزية مثل أن تكون أرضية المسرح كالمتاهة حيث ان الشخصيتين "الأم وابنتها" تائهتان داخليا وتبحث كل منهما عن نفسها ، كما أن الموسيقي والألحان لأحمد الناصر تعمق الفكرة فاللغة الموسيقية في العرض تعمق أحاسيس ومشاعر المشاهد فيزداد تأثرا وتعاطفا وبشكل إنساني مع الشخصيتين الأم ثم الأبنة وتزداد الحيرة طوال مدة العرض بمن منهما علي حق أو منهما سوغ نتعاطف معها ، ونجح المخرج أيضا في تصميم حركة مسرحية في مساحة صغيرة أغلبها بجوار السرير محور الصراع أو خلفه أو أمامه ورغم بساطتها إلا أنها تزيد من سخونة الحدث وتعد دعامة أساسية لها ، ولكن لم يوفق المخرج فقط في عنصر الاستعراضات فهي ليس لها أي علاقة بالعرض ولو حذفت من العمل المسرحي فلن يختل نهائيا بل سوف يقل زمن العرض ومن الأفضل استخدام التعبير الحركي خلف السلويت فقط فهو يعطي المعني المراد .
عبير الطوخي وهالة سرور في مسرحية جنة هنا
المسرحية ابطالها أم وابنتها من جيلين مختلفين تمامًا، فالأولي "عبير الطوخي" متمسكة بالتقاليد والقيم وخاضعة ومتحايلة ومدافعة بشراسة عن أفكارها وتتمسك بوجود سرير قديم كإسقاط علي تمسكها بالذكريات القديمة والعادات القديمة وغيرها، والثانية وهي الابنة " هالة سرور" متمردة ومواجهة وناقدة ومتسائلة ولا تؤمن بالثوابت الاجتماعية وتبحث دائما عن الحرية وعن القدوة التي تفتقدها بسبب غياب الأب وتسعي طوال العرض للتخلص من السرير وبيعه لأنه يمثل لها ذكريات مؤلمة دائما.
جنة هنا
التمثيل في العرض هو أحد أهم عوامل نجاحه فنحن أمام ممثلتين "عبيرالطوخي وهالة سرور" بينهما مباراة في التمثيل لا تستطيع أن تحسم النتيجة بينهما إلا بالتعادل في المباراة فهما مبدعتان ونجمتان في فن التشخيص والاهتمام بالتفاصيل في تقديم الشخصية بالإضافة لاستخدام كل منهما لأدواته، كما يظهر الفنان أحمد الشريف في شخصية بائع الروبابيكيا ويقدمها بخفة ظل، وكنت أتوقع دخوله مرة أخري بمشهد جديد في المسرحية لكنه قدم مشهدا واحد رسم به البسمة علي وجوه المشاهدين ولم نره فيما بعد.
الفنانة عبير الطوخي في شخصية الأم
مسرحية " جنة هنا " تشعر وأنت تشاهدها كأنك تري شخصيات تعرفها، وتتوقع مراحل حياتها كلها حتى ولو لم تظهرها الكاتبة وهذا ثراء في الكتابة والإخراج أيضا وفي النهاية نوجه تحية كبيرة للفنان سامح مجاهد مدير مسرح الغد علي اختياره لهذا النص بكل عناصره.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة اليوم السابع ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من اليوم السابع ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.