على مدار سنوات، لعب المؤرخ الفرنسي بنجامين ستورا دورا رائدا في تحقيق التقارب بين الجزائر وفرنسا، حيث كان دائما المرجع الأول للزعماء الفرنسيين فيما يتعلق بملف الاستعمار الفرنسي للجزائر.
واختار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، المؤرخ بنجامين ستورا للإشراف على ملف الذاكرة الشائك بين الجزائر وفرنسا، والذي قدم تقريره للرئيس بشأن إخراج العلاقة بين البلدين من الشلل الذي تسببه قضايا الذاكرة العالقة، فمن هو ستورا "خبير الجزائر".
ولد المؤرخ الفرنسي بنيامين ستورا في قسنطينة بالجزائر سنة 1950م، من طائفة يهودية متأصلة في الجزائر، وتزامنت طفولته مع انفجار الثورة الجزائرية، ثم رحل مع أفراد عائلته إلى فرنسا حيث استقر هناك.
وكان ستورا هو المؤرخ الذي همس في آذان رؤساء فرنسا منذ لثمانينيات لمواجهة مسألة "اعتراف فرنسا بماضيها الاستعماري" خاصة في الجزائر، وفقا لشبكة "يورو نيوز".
ويقول محمد حربي، المؤرخ والزعيم الجزائري السابق إن"ستورا يفعل الكثير من أجل التقارب بين الجزائر وفرنسا"، موضحا أنه يتحدث مع عظماء هذا العالم ويظل متحفظًا.
- فترة حكم ميتران (1981-1995)
خلال تولي فرانسوا ميتران رئاسة فرنسا، كان ستورا لا يزال عضوًا في المنظمة الشيوعية الأممية حتى 1984، إلى أن أقنعه ميتران بالانضمام إلى الحزب الاشتراكي.
التقى المؤرخ ستورا بميتران أكثر من مرة، وتبادلا النقاش حول الدور الذي لعبه الرئيس الفرنسي الأسبق في الجزائر، ويقول ستورا "في الحقيقة كان في ذهن ميتران فكرة محددة. كان يعلم أنني أعرف الكثير عن حرب الجزائر، وأعتقد أنه، بالنظر إلى الوراء، كان يريدني أن أكتب عنه وعن الجزائر، كما فعل مع بيير بين حول فيشي".
واقتنع المؤرخ الشاب في ذلك الوقت بمدى مسؤولية ميتران عن تنفيذ أحكام الإعدام في حق العديد من النشطاء الجزائريين الذي رفض العفو عنهم حين كان يشغل منصب وزير العدل ما بين 1956 و1957.
وقال ستورا في كتاب ألفه عام 2010 مع الصحفي فرانسوا بايل، إن ميتران رافق وطبق حركة عامة لقبول النظام الاستعماري وأساليبه القمعية.
- جاك شيراك (1995-2007)
ينظر ستورا بتقدير إلى الدور الذي لعبه الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك، حيث كان له الفضل في رفع الغطاء عن تقرير فيلديف في العام 1995 الذي يعترف بمسؤولية الدولة الفرنسية في تهجير اليهود خلال دورية الـ 16 يوليو 1942.
كما دفع شيراك ن أجل المصالحة الجزائرية بإعلان سنة جزائرية في فرنسا في العام 2003، وقاد زيارة ناجحة إلى الجزائر التقى خلالها نظيره عبد العزيز بوتفليقة، حيث فتحت تلك الزيارة الطريق أمام معاهدة الصداقة الفرنسية الجزائرية.
وفي ظل عدم وجود علاقة مباشرة بين ستورا وشيراك، التقى المؤرخ الفرنسي مع السفير الفرنسي في الجزائر هوبرت كولين دي فيرديير، الذي ألقى كلمة في سطيف يدين فيها قمع الشرطة للمظاهرات العنيفة التي اندلعت في المدينة في مايو 1945.
كما تحدث ستورا مع برنارد بارجوليه، السفير الذي خلف هوبرت كولين دي فيرديير، الذي تم تعيينه لاحقًا مديرًا عامًا للأمن الخارجي، وقال وقتها "أخبرني بارجولي إنه يرغب في متابعة خطاب سطيف وهذا ما فعله في العام 2008 خلال زيارته إلى قالمة ".
- فترة رئاسة ساركوزي (2007-2012)
كان ساركوزي أول رئيس فرنسي يلمح مباشرة إلى الاعتذار عن الجرائم الفرنسية في الجزائر، كما ألقى خطابا اعترف فيه بظلم النظام الاستعماري لكنه رفض التفريق بين الضحايا أو منحهم الأولوية.
يقول ستورا الذي التقى بهنري جينو، مستشار نيكولا ساركوزي "لقد كان خطابًا مثيرًا للاهتمام لكنه كان مرة واحدة فقط"، ورغم ذلك ولم تشهد علاقات ستورا مع ساركوزي زخما يذكر.
- فترة هولاند (2012-2017)
كان المؤرخ الفرنسي ستورا مقربا جدا من الرئيس فرانسوا هولاند، حتى قبل وصوله رسميا للمنصب، ونظم المؤرخ فعالية حضور هولاند إلى جسر كليشي لإلقاء وردة تكريمًا للجزائريين الذين ألقت بهم الشرطة في نهر السين في 17 أكتوبر 1961.
التقى ستورا وهولاند عام 2006، حيث كان زعيم الحزب الاشتراكي يرغب في القيام بزيارة رسمية إلى الجزائر وأن يرافقه بنجامين ستورا، لتبدأ علاقة طويلة بين الرجلين حتى بعد وصول هولاند إلى الإليزيه.
وأكد ستورا أنه ليس لديه منصب أو مكتب بجوار هولاند، حيث كان يوصف بـ"مؤرخ الرئيس"، موضحا أنه اتصالاته مع الرئيس محادثات غير رسمية، ولقاءات وجها لوجه معه أو مع بول جان أورتيز، مستشاره الدبلوماسي، لإثارة مسائل التاريخ أو السياسة الدولية.
- رئاسة ماكرون
خلال حملته الانتخابية عام 2017، أجرى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون زيارة إلى الجزائر، ووصف الاستعمار بأنه "جريمة ضد الإنسانية.. يجب أن نواجهها ونعتذر أيضا".
وعلق ستورا على تلك التصريحات قائلا "لم أكن أنصح ماكرون ليقول هذا"، والتقى ماكرون المؤرخ الفرنسي عدة مرات منذ وصوله للسلطة.
ويقول ستورا "يجب أن تكون هناك مصالحة بين الذكريات ولكن ليس بأي ثمن. ولا بد من القول إن النظام الاستعماري كان مستهجنًا.. وهذه من أقوى الأفكار".
وكلف ماكرون، في يوليو الماضي، المؤرخ الفرنسي بإعداد التقرير لإيجاد مخرج لقضايا الذاكرة التي مازالت عالقة في ذهن عائلات ملايين في فرنسا بين عائدين وحركيين جزائريين قاتلوا إلى جانب الجيش الفرنسي فضلا عن المجندين والمهاجرين.
وأعد ستورا التقرير عن فترة الاستعمار وحرب الجزائر (1954-1962) حيث اقترح إعادة سيف الأمير عبد القادر، قائد المقاومة ضد الاستعمار الفرنسي في القرن التاسع عشر، إلى الجزائر.
واقترح المؤرخ في تقريره أن تعترف فرنسا اغتيال المحامي والناشط السياسي علي بومنجل خلال معركة الجزائر العام 1957 والتي أقر بها الضابط الفرنسي بول أوساريس في مذكراته.
وبعد تسلم ماكرون التقرير، قالت الرئاسة الفرنسية إنها تعتزم القيام بـ"خطوات رمزية" لمعالجة ملف حرب الجزائر، لكنها لن تقدم "اعتذارات".
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صدى البلد ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صدى البلد ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.