في شوارع غزة التي غطتها أنقاض الخراب ومشاهد الموت، لا يكفي أن تنجو من القنابل والغارات لتكون في مأمن، فهناك عدو خفي، صامت، يتسلل إلى الرئتين مع كل نفس يُستنشق، دون صوت أو رائحة، يتمثل في "الأسبستوس"، الذي لا يعلن عن نفسه إلا بعد سنوات طويلة من السكون، حاملًا معه أمراضًا مستعصية وآلامًا لا تهدأ.
وبينما يسابق الغزيون الزمن للعثور على ماء أو كسرة خبز أو مأوى، تنبعث من الركام جزيئات الموت القادمة، ليكون عليهم مواجهة فاجعة جديدة بدأت للتو في التكوّن.
أنقاض مشبعة بالسموم
تزامنًا مع الحملة العسكرية الإسرائيلية المكثفة والمستمرة على قطاع غزة، برز خطر بيئي وصحي جديد لكنه قديم الصنع، وهو الأسبستوس، هذا المعدن الذي طالما استُخدم في البناء، تحول اليوم إلى مصدر قلق عالمي مع انهيار آلاف المباني التي كانت تحتوي عليه، بعدما أطلق جزيئاته السامة في هواء غزة المكتظ.
وفقًا لتقديرات برنامج الأمم المتحدة للبيئة في أكتوبر 2024، فإن حجم الأنقاض المتناثرة في القطاع يُقدر بنحو 2.3 مليون طن، كثير منها ملوث بالأسبستوس.
ويتركز وجود هذه المادة السامة تحديدًا في أسقف مباني مخيمات اللاجئين التي تم تشييدها منذ نكبة عام 1948، أي منذ أن شُرّد مئات الآلاف من الفلسطينيين في أعقاب الحرب العربية الإسرائيلية الأولى.
ما الأسبستوس؟
يعد الأسبستوس مجموعة ألياف معدنية كانت لها، ولا تزال، استخدامات تجارية واسعة النطاق، كما يُطلق المصطلح على مجموعة معادن ليفية تتكون طبيعيًا ولها فائدة تجارية؛ نظرًا لمقاومتها غير العادية لقوة الشد، ورداءة توصيلها للحرارة، ومقاومتها النسبية لهجمات المواد الكيميائية عليها.
وتُستخدم مادة الأسبستوس لأغراض العزل داخل المباني، وفي تشكيلة مكونات عدد من المنتجات، مثل ألواح التسقيف، وأنابيب الإمداد بالمياه، وبطانيات إطفاء الحرائق، ومواد الحشو البلاستيكية، والعبوات الطبية، فضلًا عن استخدامها في قوابض السيارات وبطانات مكابح السيارات ومنصاتها، وفقًا لمنظمة الصحة العالمية.
القاتل الصامت
الأسبستوس مادة مميتة حين تُستنشَق أليافها، وتكمن خطورتها في كون أليافها صغيرة جدًا وغير مرئية بالعين المجردة، ويمكن أن تدخل إلى بطانة الرئتين وتبقى هناك لعقود قبل أن تبدأ آثارها المدمرة في الظهور.
ويحذر البروفيسور بيل كوكسون، مدير المركز الوطني لأبحاث الورم المتوسطة في لندن، من خطورة الوضع قائلًا: "أنقاض غزة بيئة سامة للغاية، تأثيرها سيكون بعيد المدى، وسيعاني منه الأطفال والبالغون على حد سواء، لسنوات طويلة مقبلة".
وتضيف ليز دارليسون، المديرة التنفيذية لجمعية "ميزوثيليوما المملكة المتحدة"، أن "الأرواح التي تُفقد الآن لن تكون النهاية، فهذا الإرث سيبقى مستمرًا".
ويُعد الورم المتوسط أحد أكثر الأمراض ارتباطًا بالتعرض للأسبستوس، وهو شكل عدواني من سرطان الرئة، ويقول كوكسون بشأن ذلك: "حتى استنشاق بسيط لألياف الأسبستوس قد يؤدي لاحقًا إلى تطور هذا الورم القاتل".
وأضاف: "المرض يتطور في التجويف الجنبي، وهو مؤلم جدًا، وغالبًا ما يتم اكتشافه في مراحل متأخرة، ويُظهر مقاومة عالية للعلاجات التقليدية".
وقد يستغرق ظهور الأعراض من 20 إلى 60 عامًا بعد التعرض، ما يعني أن الكارثة الصحية الكبرى في غزة قد تكون فقط في بدايتها.
الموت في انتظار الناجين
إلى جانب الورم المتوسط، يُمكن أن يؤدي استنشاق الغبار الملوث بالأسبستوس والسيليكا إلى أمراض أخرى مثل السُحار السيليسي، وسرطان الرئة والحنجرة والمبيض، والربو المزمن وانتفاخ الرئة والانسداد الرئوي، كما أشار الدكتور هوي.
وتحتوي الخرسانة على نسب مرتفعة من السيليكا (20-60%)، وهي جزء أساسي في أنقاض غزة، ما يُزيد من احتمالية تعرض السكان لتلوث مزدوج.
عامل خطر إضافي
يُشكل الاكتظاظ السكاني في غزة التي تضم نحو 2.1 مليون نسمة ضمن مساحة لا تتجاوز 365 كيلومترًا مربعًا عاملًا، خطيرًا إضافيًا في انتشار الألياف السامة.
ويقول الدكتور ريان هوي، أحد خبراء برنامج الأمم المتحدة للبيئة: "الألياف المجهرية تطفو في الهواء، وتخترق أعماق الرئتين، في بيئة مزدحمة مثل غزة، من شبه المستحيل تفاديها".
في المقابل، وعلى الأرض، يرى العاملون في المجال الإنساني أن السكان لا يعيرون خطر الأسبستوس اهتمامًا كبيرًا، إذ إن أولوياتهم تتركز على النجاة من القصف والبحث عن الطعام والمأوى.
وتوضح كيارا لودي، منسقة الشؤون الطبية لدى منظمة "المساعدة الطبية للفلسطينيين"، أن الناس ببساطة "لا يجدون ما يأكلونه، وهم أكثر خوفًا من الموت بالقنابل، أما الوقاية من الغبار السام، فهو ترف لا يمكن التفكير فيه حاليًا".
خطر يهدد الأجيال
يحذر متحدث باسم منظمة قرى الأطفال SOS في غزة من "افتقار السكان للوعي بمخاطر الأسبستوس"، ويضيف أن "الناس غير قادرين على اتخاذ تدابير وقائية بسبب ما يعيشونه من ظروف قاسية".
ومن تجارب سابقة، وخصوصًا بعد الحرب على غزة عام 2009، أكدت الأمم المتحدة في مسح شامل أن مادة الأسبستوس كانت موجودة في أسقف المنازل والحظائر والمباني المؤقتة.
ويعود تاريخ استخدام الأسبستوس إلى عدة عقود مضت، وتختلف أنواعه من الأبيض (الأقل خطورة) إلى الأزرق أو الكروسيدوليت (الأكثر تسببًا في السرطان)، وقد سبق للأمم المتحدة أن عثرت على هذا النوع الأخطر في غزة.
حقائق صادمة
في الولايات المتحدة، وبعد هجمات 11 سبتمبر، استخدم خبراء الصحة ما حدث كحالة دراسية لتقدير الأثر الصحي للسحب السامة على السكان، وحتى ديسمبر 2023، توفي 5249 شخصًا نتيجة أمراض مرتبطة بتلك السحابة، وهو عدد يتجاوز ضحايا الهجوم نفسه الذين بلغ عددهم 2296.
تشير ليز دارليسون إلى أن "مركز التجارة العالمي لم يكن في منطقة حرب، ما سهل تقييم الأضرار، بخلاف ما يحدث اليوم في غزة".
وفي ظل الحديث الدولي عن إعادة إعمار غزة، حذرت الأمم المتحدة من التعامل غير الدقيق مع الأنقاض، إذ إن إزالة هذه الكميات الهائلة من الحطام الملوث قد تطلق كميات إضافية من الألياف السامة في الجو.
وقدّر برنامج الأمم المتحدة للبيئة أن إزالة كل الأنقاض قد تستغرق 21 عامًا وتكلف 1.2 مليار دولار، أي نحو 929 مليون جنيه إسترليني، وقال المتحدث باسم البرنامج وفق "بي بي سي": "عملية إزالة الحطام قد تزيد من احتمالية انتشار الأسبستوس في الهواء، وهذا أمر يتطلب أعلى درجات الحذر".
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة الحكاية ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من الحكاية ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.
انتبه: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة مصر اليوم ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من مصر اليوم ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.